ناقشت كلية العلوم السياسية في جامعة بغداد اطروحة الدكتوراه (مبدأ سحب الثقة في النظام البرلماني العراق انموذجا) للطالبة (بدرية صالح عبد الله) وتناولت الاطروحة مبدأ الرقابة البرلمانية , الذي يُعدّ من مبادئ النظم الديمقراطية المعاصرة , فضلا على إنهّ يمثل سمة  من سمات النظام البرلماني , إذ ماعلِمنا : إنّه يكون بمثابة المسئولية الوزارية . فقد شهد العراق بعد العام 2003 , عملية تغيير سياسي , وذلك وفقاً لما يتضمنه دستور العراق الدائم لعام 2005 , وعلى وفق ما نصت عليه المادة الأولى منه في إشارة إلى انّ شكل النظام السياسي سيكون عبارة عن دولة إتحادية ، وانّ نظام الحكم فيها جمهوري نيابي ( برلماني ) ديمقراطي . إذا ما عرفنا : إنّ النظام البرلماني قائم على اساس : رقابة البرلمان و متابعته لأعمال الحكومة , و انّ الرقابة البرلمانية تتخذ ادوات عدة , نذكر منها : ( حق توجيه الســؤال , و حـق إجـراء التحقيق , و حـق الاسـتجواب , فضلا على المسـئولية الوزارية ” ســـحب الثقة ” ) , إذ ما علمنا : إنّ المســئولية الـوزارية تُعدّ أخـطر ســلاح رقـابي للبرلمان عـلى الحكومة ، وانّ المســـئولية الســياسـية هي التي تكون مقررة في النظام البرلماني على الوزير أو الوزارة بأجمعها , نتيـجة أعـمال تلك الـوزارة أو نتيـجة مباشــرة رئيس الـوزراء لأعـمالها بعدّه رئيسا لتلك الهيأة .

ولذلكَ سنتعرف في هذه الدراسة الى الآليات والأساليب المتبعة في الأنظمة البرلمانية , وذلك لمحاسبة ومراقبة الحكومة من  البرلمان ، و كذلك الآليات والأساليب التي نص عليها الدستور العراقي الدائم لعام 2005 , في ممارسة رقابة البرلمان (مجلس النواب) لأعمال الحكومة , والى أي مدى يستطيع مجلس النواب العراقي ممارسة صلاحياته  مراقبة ومحاسبتها , كما وضع مجلس النواب العراقي لنفسهِ نظاماً داخليا حدد فيه : أدوات الرقابة البرلمانية على السلطة التنفيذية وآلية استخدامها , كما قد تتخذ الرقابة السياسية على أعمال الإدارة صوراً مختلفة عن طريق الرأي العام , والتي تقع على مؤسسات المجتمع المدني , والأحزاب السياسية , والنقابات المهنية ومسئولية ممارستها , وتمارس أيضاً عن طريق المؤسسات البرلمانية , إذ ما علمنا : إنّ الدور الرقابي لمجلس النواب العراقي كان ضعيفاً بإستثناء بعض الحالات النادرة التي أثارها المجلس إزاء بعض الوزراء , الاّ انّ المجلس لم يتخذ ضدهم أي موقف , وكان ذلك واضحاً في الدورة الانتخابية الأولى ( 2006 – 2010 ) , وقد انتهت ولم تسجل : عدم تحريك أي مسئولية سواء أكانت سياسية أم وزارية , ولم يُحاسب أي وزير أو  مسئول حكومي باستثناء وزير التجارة , وتم استجوابه على اثر الفسادين : المالي والإداري , واستيراد المواد غير الصالحة للاستهلاك البشري , ومن ثم تم  سحب الثقة من الوزير, وعدّهُ مستقيلا . أما في الدورة الانتخابية الثانية مابين العامي ( 2010 – 2014 ) , كانت  أيضا تكراراً للأمر ذاته , حيث كان الدافع من وراء  جلسات الاستجواب سياسيا أكثر منه مهنيا , فضلا على انّه كان يفتقر إلى المنهجية والواقعية , أي أنّها كانت مجرد ممارسة رقابة شكلية , فيما تميزت الدورة الانتخابية الثالثة مابين العامي (2014 – 2018 ) , بكثرة الاستجوابات .

 لكـنها لدوافع ســياســـية , وليس بدافع الحرص والشــعور بالمســئولية الوطنية , وكذلك لتصفية الحســابات ما بين القوى الســياســـية داخل البرلمان والحكومة معا , ولاســتمالة الناخبين للحصول على مكاسب سياسية , و مع ذلك فقد شهدت ثلاث حالات لســحب الثقة من الوزراء . إذا ما عرفنا : إنّ هناك عوامل أثرت بشكل كبير في ضعف الدور الرقابي لمجلس النواب العراقي , منها : ( المحاصصة الطائفية ) وذلك ما أدى بدوره إلى غياب دور المعارضة البرلمانية , إذ لا يقوم أي عضو أو كتلة نيابية على تحريك الدور الرقابي ؛ لخشيتهِ من إقدام الأعضاء و الكتل الأخرى للقيام بالدور ذاته ضدها , لاسيما أن معظم أولئك النواب يسعون الى تحقيق غاياتهم الأساسية ومصالحهم الحزبية الضيقة او مصالحهم الخاصة .

و لتفعيل الدور الرقابي لابد من إتباع الآتي :

  • تكتفي الكتل البرلمانية بالمشاركة في الرقابة البرلمانية على الحكومة , وتبتعد عن المشاركة في الحكومة بوزراء .
  • إيجاد معارضة نيابية من الداخل تنبثق منها حكومة ظل لمراقبة عمل أداء السلطتين : التنفيذية والتشريعية .
  • بناء مؤسسات سياسية ودستورية متوازنة وفاعلة على أسس ومعايير حضارية بعيدا عن المحاصصة و الشخصية .
  • تُعدّ الإصلاحات التشريعية ضرورية لتعزيز ودعم مجلس النواب الذي يمثل الإرادة الشعبية , فضلا على ترسيخ الديمقراطية وبناء مؤسسات النظام السياسي على أسس سليمة .
  • إعادة النظر بقانون الانتخابات او النظام الانتخابي , وذلك لتشكيل مؤسسات وطنية تتبنى نهج ديمقراطية الأغلبية لتحل محل التوافقية التي كرست المحاصصة .
  • إنّ دور التنشئتين : الاجتماعية والسياسية يجب ان تتسم بالشمولية والاستمرار , اي انّها تكون عبارة عن عملية تثقيف وتوعية لكل شرائح المجتمع , وعلى إختلاف انتماءاتهم وتوجهاتهم الدينية والمذهبية والعرقية والفكرية , كما ان التنشئة السياسية و تسهم في بقاء واستمرار النظام السياسي , وتعزيز روح المواطنة والهوية و الولاء للوطن .
  • إنّ من الضروري ان تجتمع المهنية مع السياسية من أجل تفعيل أدوات الرقابة البرلمانية , وتحديدا مبدأ ( سحب الثقة ) , ولكي يقوم النائب بممارسة الدور الرقابي الفاعل والمؤثر .
  • ان مبدأ ( سحب الثقة ) يُعدّ من اخطر الممارسات البرلمانية , لذلك ينبغي ان يكون الوعي بالمهام التي يؤديها الوزير عالية المستوى ، وتتطلب قدرة فنية قائمة على أساس : الأدلة والبيانات الصريحة .
  • العمل على تعيين أمين عام للوزارة بدلا من تعدد الوكلاء , انّ يكون على قدر كبير من المهنية , وانّ تنحصر مسئوليته قُبالة مجلس النواب من اجل تدعيم عمل الوزير , ومنعه من الانحراف .                                    وقد منحت درجة الدكتوراه للطالبة بتقدير (جيد جدا”) متمنين لجميع طلبتنا الموفقية والنجاح في حياتهم العلمية والعملية وذلك يوم الاحد الموافق 30/6/2019 على قاعة الحرية .

Comments are disabled.