ناقشت كلية العلوم السياسية في جامعة بغداد رسالة الماجستير(سياسات العدالة الانتقالية في المملكة المغربية للمدة من 1999-2017) للطالبة (هند مالك حسن) وتناولت الرسالة العدالة الانتقالية وهي مفهوم متداول على نحو واسع في ايامنا هذه، إذ إنها تُعد الية تتيح تحولا  (انتقالا) من جهاز استبدادي لا يوجد فيه حكم للقانون الى نظام ديمقراطي يحترم حقوق الانسان، الا انها ملتبسة جدا سواء من ناحية الفلسفة التي تقوم عليها ام الاساليب التي تستخدمها. والاهداف المعلنة للعدالة الانتقالية هي في آن معا، اعادة الكرامة للضحايا، وبناء الثقة بين الجماعات المتحاربة ، وتعزيز التغيرات على مستوى المؤسسات التي يقتضيها تحقيق علامة جديدة بين السكان، من اجل مواكبة حكم القانون ومن دون اقرار الممارسات التي ترقى الى الافلات الكلى او الجزئي من العقاب. فخلال العقدين الاخيرين من القرن الماضي برز مفهوم العدالة الانتقالية على الساحة الدولية وبصورة لافتة، وقد جاء ذلك تعبيراً عن بداية تراجع الانظمة التسلطية الشمولية بعد نهاية الحرب الباردة، وكذلك الضغط الدولي المتنامي وتنوع الاحتجاجات المنادية بالحقوق السياسية والقانونية في وجه تلك الانظمة. على الرغم من حداثة مصطلح العدالة الانتقالية الا ان بعض مضامين العدالة الانتقالية تعود بجذورها الى عصور تاريخية بعيدة، وتلك المضامين والمعاني لم تكن سوى حلقات متفرقة وشذرات لمعت في بعض الحقب الزمنية البعيدة ولم تكن متصلة ومكملة بعضها لبعض كما هي عليه الان وكما يجب ان تكون اصلا، ومفهوم العدالة الانتقالية مفهوم نسبي يتغير بتغير الزمان والمكان فما يمكن تطبيقه في بلد ما قد يصعب تطبيقه في بلد آخر بالنظر لاختلاف الظروف السياسية والاقتصادية والثقافية بين البلدان. وكذلك بالنسبة للناحية الزمانية فما يمكن تطبيقه في زمان معين ربما يصعب تطبيقه في زمان اخر وذلك لاختلاف مستوى التفكير واختلاف الاجيال وحتى ان مستوى الحقوق والنظر اليها والانتهاكات والتعامل معها يتأثر باختلاف الاجيال وتعاقبها ان تطبيق سياسات وآليات الدالة الانتقالية في المجتمع يكون مرتبط دائما بمرحلة انتقالية. وهذا الامر ينطبق على التجربة المغربية في سياق تطبيق سياسات العدالة الانتقالية والتي لايمكن فصلها عن عملية الانتقال الديمقراطي الذي بدأ يشهده المغرب منذ تسعينيات القرن العشرين. فمنذ وصول الملك محمد السادس الى الحكم في 1999 بدأت وتيرة من الاصلاحات بهدف تجاوز سلبيات المرحلة السابقة والبدء بعملية الانتقال الديمقراطي في المغرب. وهذه العملية الاصلاحية توجت بالإعلان عن اصلاح دستوري شامل يهدف الى تحديث وتأهيل هياكل  الدولة المغربية. الا ان هذه الاصلاحات السياسية والدستورية وعملية البدء بالانتقال الديمقراطي كان لها عدة دوافع ومؤثرات اثرت بصورة كبيرة على تطبيق سياسات العدالة الانتقالية في المغرب .

خلال العقدين الاخيرين من القرن الماضي برز مفهوم العدالة الانتقالية على الساحة الدولية وبشكل لافت، وقد جاء ذلك تعبيرا عن بداية تراجع الانظمة التسلطية الشمولية بعد نهاية الحرب الباردة، وكذلك الضغط الدولي المتنامي وتنوع الاحتجاجات المنادية بالحقوق السياسية والقانونية في وجه تلك الانظمة. على الرغم من حداثة مصطلح العدالة الانتقالية الا ان بعض مضامين العدالة الانتقالية تعود بجذورها الى عصور تاريخية بعيدة، وتلك المضامين والمعاني لم تكن سوى حلقات متفرقة وشذرات لمعت في بعض الحقب الزمنية البعيدة ولم تكن متصلة ومكملة لبعضها البعض كما هي عليه الان وكما يجب ان تكون اصلا، ومفهوم العدالة الانتقالية مفهوم نسبي يتغير بتغير الزمان والمكان فما يمكن تطبيقه في بلد ما قد يصعب تطبيقه في بلد اخر بالنظر لاختلاف الاوضاع الاوضاع السياسية والاقتصادية والثقافية بين البلدان. وكذلك بالنسبة للناحية الزمانية فما يمكن تطبيقه في زمان معين ربما يصعب تطبيقه في زمان اخر وذلك لاختلاف مستوى التفكير واختلاف الاجيال وحتى ان مستوى الحقوق والنظر اليها والانتهاكات والتعامل معها يتأثر باختلاف الاجيال وتعاقبها

إنَّ تطبيق سياسات واليات الدالة الانتقالية في المجتمع يكون مرتبط دائما بمرحلة انتقالية

وهذا الامر ينطبق على التجربة المغربية في سياق تطبيق سياسات العدالة الانتقالية والتي لا يمكن فصلها عن عملية الانتقال الديمقراطي الذي بدأ يشهده المغرب منذ تسعينيات القرن العشرين ،لذلك سوف نقوم في هذا الفصل بدراسة دوافع الاصلاح السياسي والمؤسسي  المتبعة واثرها لتطبيق تلك السياسات ومن ثم دراسة المعوقات التي واجهت الاصلاح السياسي والمؤسسي واثرها على تطبيق سياسات العدالة الانتقالية .

عرف المغرب منذ تسعينات القرن الماضي جملة من الاصلاحات السياسية والدستورية شملت مجالات عدة من أجل استكمال بناء الدولة وترسيخ اسس الديمقراطية الصحيحة وتطبيق سياسات العدالة الانتقالية .

فمنذ وصول الملك (محمد السادس) الى الحكم في (23/يوليو /1999) بدأت وتيرة من الاصلاحات بهدف تجاوز سلبيات المرحلة السابقة والبدء بعملية الانتقال الديمقراطي في المغرب

وهذه العملية الاصلاحية توجت بالإعلان عن اصلاح دستوري شامل يهدف الى تحديث وتأهيل هياكل  الدولة المغربية .

وقد مثلت سنة 2011  من دون ادنى شك منعطفاً تاريخيا فاصلا ونتاجا لسنوات من العمل المتواصل المتمثل في مختلف الاجراءات الاصلاحية والمبادرات التحديثية المتتالية في سياق تاريخي دولي دقيق، وفي خضم الاحداث التي كان العالم العربي ومازال مسرحا لها توج الاصلاح بالمغرب بالخطاب الملكي للتاسع من مارس 2011 ليعلن عن المبادرة الملكية الداعية الى اجراء تعديلات دستورية عميقة وشاملة والتي تعد المرحلة الاولى في عملية الانتقال الديمقراطي في المغرب .

الا ان هذه الاصلاحات السياسية والدستورية وعملية البدء بالانتقال الديمقراطي كان لها عدة دوافع ومؤثرات اثرت بصورة كبيرة على تطبيق سياسات العدالة الانتقالية في المغرب .

لا يختلف اثنان في الانتقال الديمقراطي في المغرب لم يكتمل بعد، لكن لن يختلف اثنان ايضا في ان وعي استراتيجية الانتقال الى الديمقراطية حاضر وبقوة ، وتتوسع دائرة مناصريه، ليس داخل المجتمع فقط، ولكن في دوائر الدولة ايضا، فالديمقراطية بحسبها سيرورة شاقة وصعبة، لاسيما في مجتمع مركب من إذ الاختلاف العرقي والثقافي مثل المغرب، تحتاج الى قدر يسير من الزمن بالمفهوم التاريخي للزمن، وليس بإبعاده الطبيعية، وتحتاج اكثر أي المراكمة المتدرجة للمكاسب، والى تثمين الانجازات وتحويلها الى روافع للتغيير والانتقال نحو الافضل

ويُعدُّ المغرب من الدول القليلة التي جربت العدالة الانتقالية من خلال تجربة هيئة الانصاف والمصالحة التي قامت بعدة مبادرات ايجابية، وعلى الرغم أهمية هذه التجربة ونجاحها نسبيا، فأنها تبقى مقيدة بالعديد من التحديات، فقد احتوت مجموعة من الملاحظات التي اثرت سلبا على الهدف الحقيقي من مشروع العدالة الانتقالية في المغرب المتمثل في تحقيق مسار العدالة والديمقراطية

كما واجهت هيئات تطبيق العدالة الانتقالية في المغرب تحد يتمثل في استمرار وتواصل هذه المبادرة من النظام نفسه وبوجود الاجهزة نفسها التي قامت بالانتهاكات ، وان سقفها لم يصل الى المؤسسة الملكية التي قامت هي بالمبادرة، ومن ثم فقد ظلت خارج دائرة المساءلة اي انها استبعدت منها سلفا، تبع ذلك غياب المحاسبة من تلك الجرائم ،ولكن غياب المحاسبة تخطى غياب المسائلة الجنائية الى الفشل في تحديد هؤلاء المسؤولين عن الانتهاكات، فقد منع الضحايا من تسمية الجناة في العلن اثناء الادلاء بشهادتهم وعدم تقديمهم للمحاكمة

بدأت العدالة الانتقالية في المغرب كعملية شاملة لتصحيح مسار طويل من لانتهاكات الجسمية لحقوق الانسان فأخذت بعين الاعتبار الاوضاع المحلية وسياق الوطني، وعلاقة الحكومة بالمجتمع وهيئاته، وتضمنت انشاء مؤسسات لتطبيق سياسات العدالة الانتقالية التي عملت على تحقيق وتعويض المتضررين، وساهمت من ثم في تأكيد أهمية حقوق الانسان في المغرب، وفي هذا الاطار خطا المغرب خطوات مهمة في مسالة الانتقال الديمقراطي الذي بداه منذ التسعينات من القرن الماضي، وساهمت تجربة العالة الانتقالية في هذا الانتقال، ومن ثم ان تقييم هذه التجربة ينبغي ان يأخذ بعين الاعتبار الأوضاع والسياقات التاريخية التي درسناها في فصول ومباحث هذه الدراسة، وان عملية التقييم التجربة تراوحت ما بين الفشل تارة والنجاح تارة، وحسب كل جهة ومنظورها وتوجهاتها سواء السياسية ام الفكرية

أراد النظام السياسي المغربي من خلال تطبيق سياسات العدالة الانتقالية الخروج من وضع سياسي منغلق مستبد شهد خلاله المغرب انتهاكا خطيرا لحقوق الانسان الى وضع سياسي فيه نوع من الانفتاح يضمن الحقوق الاساسية للإنسان وفيه مجال للحريات العامة، فضلا عن معالجة الانتهاكات الخطيرة لحقوق الانسان وطي صفحة الماضي .

1-انَّ العدالة الانتقالية ليست مجرد وصفة جاهزة لمعالجة ملفات الانتهاكات وتصفيتها حقوقيا وقضائيا، بل هي مجموعة من الاجراءات والمقتضيات المعقدة التي يتكامل فيها المطلب القضائي بالتشريعي والسياسي والحقوقي والانساني، كما تتجاوز العدالة الانتقالية حيزها الحقوقي كجبر الضرر او التعويض المادي للضحايا والمحاكمات الى كونها شرطا ضروريا ودوليا لإنجاح كل مشاريع التنمية الانسانية.

2-انَّ موضوع العدالة الانتقالية هو جديد في المنطقة العربية لكنه يقع في صميم عملية الانتقال الديمقراطي، وعند دراسة هذا الموضوع ينبغي علينا معرفة مجموعة من الامور، فالعدالة الانتقالية ليست مفتاحا سحريا لمعالجة مشاكل الانتقال الديمقراطي ولكنها آلية لمعالجة ماضي انتهاكات حقوق الانسان ضمن سلسلة من الاليات التي تتبناها الدول للانتقال الديمقراطي، وعليه فهي الية مكملة من أجل تحقيق الانتقال.

3-ان لا يقتصر اطار تطبيق سياسات العدالة الانتقالية في المغرب على الانتهاكات الجسيمة التي وقعت في الماضي, بل يجب ان تمتد الى تعويضات الافراد وجبر الضرر وتخليد الذاكرة وصولاً الى تحقيق المصالحة الحقيقية.

4-ان يراعي مسار تطبيق سياسات العدالة الانتقالية بعد الجند ومكافحة التمييز ضد النساء ومراعاة حقوق الاطفال وذوي الاعاقة.

5-ضرورة اعتماد سياسة او استراتيجية وطنية لمناهضة الافلات من العقاب ومكافحة المسؤولين عن الانتهاك.

.وقد منحت درجة الماجستير للطالبة بتقدير (امتياز ) متمنين لجميع طلبتنا الموفقية والنجاح في حياتهم العلمية والعملية وذلك يوم الخميس الموافق  2019/8/29 على قاعة جهاد الحسني.

 

 

Comments are disabled.