ناقشت كلية العلوم السياسية في جامعة بغداد اطروحة الدكتوراه (إستراتيجية الأمن القومي الصيني تجاه إقليم أسيا – الباسيفيك بعد العام 2001 ) وناقشت الاطروحة الدراسات الامنية التي شغلت موقعاً فريداً ومتميزا من اهتمام الباحثين والمعنيين بالشؤون الاستراتيجية، لكون الامن هو من اهم على المستويين الداخلي او الخارجي، ويزداد الموضوع اهمية حين يتسع مفهوم الامن ليأخذ ابعاده، وهو ما أصطلح على تسميته بالامن القومي الذي يمكن لنا تعريفه بأنه مجموعة من المبادى والقيم التي تؤمن بها الدولة والتي يصل بعضها الى درجة من المثالية، تسعى الدولى الى تحقيقها من اجل ضمان وجودها وبقائها، فالدولة باقية مادامت ضامنة لامنها القومي من التهديدات التي تعترضها سواء اكانت داخلية او خارجية.
ويعد الأمن القومي هنا من المواضيع المتداخلة بجوانب عديدة لها علاقة بالمصالح القومية والغايات الإستراتيجية والأهداف العليا والأسس الرئيسة لعملية صياغة الأسس الخاصة بها والتي تتأثر بمعطيات ورؤية المستقبل هذا من جانب، ومن جانب اخر، ان الامن القومي يتجه بخطى حثيثة نحو الاندماج في الامن الكوني بسبب الخاصية المميزة لمصادر التهديدات الجديدة، لاسيما انها تهديدات عابرة للحدود القومية، فضلاً عن ان العولمة فرضت بعد نهاية الحرب الباردة قواعد جديدة على كل المستويات بما فيها الشؤون الامنية بحيث انها بددت المسلمات الاولية التي يقوم عليها الامن القومي واستبدلتها تدريجيا بالامن الكوني.
لقد ازداد في السنوات الاخيرة اهتمام الباحثين بدراسة الامن القومي لمختلف دول العالم كدراسة الامن القومي الصيني، لكن مايجب الالتفات اليه هو دراسة كل مايتعلق بتفاصيل الامن القومي الصيني، اذ ان معظم الدراسات قد اهتمت بالتركيز على جانب معين كالسياسة الخارجية، والعلاقات الصينية في اطارها الثنائي او توجهاتها حيال الدول الاخرى، ولكن يبقى موضوع دراسة الامن القومي الصيني وفق انساق استراتيجية متكاملة يحتاج الى مزيد من الدراسة والاهتمام لاعطاء نظرة شاملة عن الامن القومي الصيني، لاسيما اذا علمنا بأن اي دراسة سواء اكانت للاستراتيجية الصينية ام لسياساتها لاتكتمل من دون ادراك ماهية النظرة الصينية لامنها القومي بعده الركيزة الاساسية لوضع منطلقات اي استراتيجية.
اصبح الامن القومي الصيني يشكل اولوية مهمة في التفكير الاستراتيجي الصيني، اذ تغيرت طبيعة النظرة اليه تبعا لتغير الظروف التي مرت بها الصين، وتغير طبيعة التهديدات التي اعاقت الطموح الصيني في استعادة مكانتها والحفاظ على سيادتها ووحدتها، وهذا مانجده في توجهات جميع المؤسسات الامنية وتصورات وافكار القادة الصينين على مراحل مختلفة منذ نهاية الحرب الباردة وحتى وقتنا الحاضر، الا ان التغير الاهم في الادراك الاستراتيجي الصيني للامن القومي برز بعد العام 2001، وذلك نتيجة اتساع نطاق التهديدات الموجهة للصين وتعاظم الرغبة الصينية في تحقيق اهدافها القومية، ويبدو ان هذا التغيير يعود في جزء منه الى استراتيجية التدرج السلمي الصيني في ظل تسلق هرمية النظام الدولي ومنافستها للقوى الكبرى، لاسيما لولايات المتحدة الامريكية اذ قامت الصين بتوظيف مصادر قوتها السياسية ولااقتصادية والعسكرية والامنية والتكنولوجية مما انعكس على طبيعة النظرة الصينية لامنها القومي، فأصبحت لاتنظر الى امنها بكونه يحصل بتحقيق امنها الداخلي او الاقليمي فحسب بل اتسع ليشمل مديات اوسع وذلك بتحقيق امنها الدولي او العالمي، وعليه فأن تحقيق الامن الصيني بأبعاده الثلاثة سواء الداخلي او الاقليمي او الدولي سوف يعني في التفكير الاستراتيجي الصيني ضمانا حقيقيا للامن القومي الصيني حاضرا ومستقبلا، لاسيما في اطار توجهاتها حيال اقليم اسيا الباسفيك، إذ يمكن ان تسهم في صياغة شكل النظام الدولي القادم، فالصين تعيش مرحلة انتقالية مهمة من تاريخها الماعصر تشهد فيه مؤشرات اداء وانجاز على المستويات السياسية، الاقتصادية، العسكرية، الامنية، والتكنولوجية، وهذا بحد ذاته عــــــد احد ممكنات التحفيز للكثير من المختصين في مجال الاستراتيجية للرهان على مستقبل موقعها في اطر بنية النظام الدولي كقوة كبرى سيكون لها حضور مادي مباشر ومؤثر في نسق النظام الدولي من خلال اسهاماتها في اعادة تشكيل موازين القوة العالمية والاقليمية بناء على معايير جديدة واستراتيجية متمايزة عن تلك التي تسعى الولايات المتحدة الامريكية لتكريسها أمراً واقعا وعلى آليات توزيع القوة بين مختلف مراكز القوة التقليدية سواء على المستويين الدولي او الاقليمي، لاسيما ان الاخير احتل اولوية مهمة في مدركات التفكير الاستراتيجي الصيني لمرحلة مابعد العام 2001.
فالدور الذي تسعى الصين الى ممارسته هو تحقيق مركز اقليمي متميز اكثر مما يكون دولي اي انها تهدف الى ان تصبح قوة اقليمية وتحقق مقتريات تأثير ونفوذ يفوق قدرات الولايات المتحدة الامريكية فاذا استطاعت الصين تحقيق الهيمنة الاقليمية فأنها سوف تصبح قوة عظمى، لذا تسعى الصين الى السيطرة اقليمياً لما يوفره ذلك من سيطرة عالمية، لاسيما أن الارادة الصينية متمثلة في الرغبة في اداء دور اقليمي تظهر في سعيها المستمر لاعادة السيطرة على الاراضي والجزر التي تدعي عائديتها لها والى فرض دور صيني على الاقاليم توظفه لمصلحة الاضطلاع بأداء دور عالمي وتحقيق مصالحها الحيوية، وقد تبلور مصطلح المصالح الجوهرية واعادة تعريفها في اطار تطور القدرات الاستراتيجية الصينية وتوسع الى حد كبير حتى بات فضفاض، لاسيما فيما يتعلق ببحر الصين الجنوبي، هذا يعني ان الحدود بين المصالح الجوهرية وغير الجوهرية متحرك ويمكن اختراقها من جوانب متعددة بهذا الشأن قدم تقرير اصدرته لجنة مراجعة العلاقات الاقتصادية والامنية الامريكية – الصينية في الكونغرس تفسير لافت للنظر يرى: ان الحفاظ على موقف غامض يمنح بكين مرونة في التعامل مع النزاعات وكبح الانتقادات الداخلية التي قد تتهم الحكومة انها لا تتصرف بقوة كافية، لكن يمكن القول: ان مفهوم المصالح الجوهرية قد وفر من حيث المبدأ ارض مكنت الصين من تبرير سياساتها الحازمة تجاه القضايا المتعلقة بالسيادة الاقليمية ولعل الموقف الذي تبديه بكين اتجاه قضية تايوان وبحر الصين الجنوبي والشرقي يعكس هذا الاتجاه الى حداً كبير ويدلل على توجهات صينية مستقبلية قد تواصل ربط هذه المصالح بعملية تحولها الى دولة عظمى، فالصين لها تطلعات قومية، لاسيما تلك التي تنشد توحيد تايوان بالصين او تلبية ضواغط السيطرة على المناطق المجاورة التي تتمتع بثروات وموارد طبيعية وتمتاز بموقعها الجيوستراتيجي المميز لاسيما في اقليم اسيا – الباسيفيك، لذلك استندت الاستراتيجية الصينية الى توزيع دول الاقليم الى مستويات متباينة وتم هذا التوزيع وفق للانساق التراتبية لاهمية هذه الدول، لذا تتمتع مجموعة دول الاقليم باولوية على سواها ولأهميتها الخاصة اسست الصين تعاملها معها على فكرة المثلثات، أذ تتطلع الصين الى ان تكون هي القاعدة الاساس لكل منها ، فضلا على ذلك فالصين تعد اسيا مجالها الحيوي لهذا بدأت بتغير وسائل توظيف استراتيجيتها اتجاهها من حيث تبنيها النهج البراغماتي كأساس للتأسيس لمضامين علاقاتها معها، فضلا عن انه لا يمكن للتنمية الصينية الاستغناء عن اقليم اسيا –الباسيفيك، وازدهار اسيا – الباسيفيك لا يستغني عن التنمية الاقتصادية الصينية التي سوف تحقق فرص واعدة لاسيا – الباسيفيك فالصين ستحافظ بحزم على السلم والاستقرار في المنطقة لترسيخ اساس الفوز المشترك لاقليم اسيا – الباسيفيك، لاسيما ان الصين عضوا في مجموعة اسيا – الباسيفيك وترغب في التعايش مع كل الاعضاء بوئام وتبادل المساعدة معهم وتتمنى حرص مختلف الاطراف في منطقة اسيا – الباسيفيك على الوضع المستقر وتدفع باتجاه بناء منطقة اسيا – الباسيفيك المتناغمة والدائمة السلام وذات الازدهار المشترك.
نظراً لتنامي دور الصين في اسيا – الباسيفيك بوصفها لاعب اقليمي محوري في تشكيل تفاعلات البيئة الأمنية الإقليمية يمكن لنا عرض بعض المفاصل الرئيسة للرؤية الصينية بابعادها الاستراتيجية تجاه اقليم اسيا – الباسيفيك وبيئته الامنية كما يلي :
1-تعد الصين اقليم اسيا – الباسيفيك مجالها الحيوي لذا فهي تولي علاقاتها مع جميع دول الاقليم اهمية فائقة في مدركاتها الاستراتيجية .
2-ان الاقليم يقع ضمن اولويات الاستراتيجية الصينية لقربه جغرافياً وتماثله الثقافي معها ولاهميته الاقتصادية ولمتداداته الجيوبولوتكية لروسيا ولمكانته المهمة في التوجهات الجيواستراتيجية الامريكية من اجل تشكيل اطواق جيوبلوتكية واحتواء الصين والحد من امكانية صعودها الى مرتبة القوة العظمى في سلم النظام الدولي .
3-ادراك الصين ان اهمية مايشهده الاقليم من متغيرات اقتصادية وتكنولوجيا تشكل عنصر فاعل التأثير في او تحديد نمط القدرة والقوة التي ستحدد موقف الصين في تفاعلات السياسة العالمية المستقبلية .
4-ادراك الصين ان ماشهدته البيئة الاقليمية بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وحالة الفراغ الاستراتيجي الذي خلفه وتطورات شبه الجزيرة الكورية والتفاعلات الامنية لدول الاسيان وازدياد الدور الياباني،فيها والعلاقة بين روسيا واليابان والاخيرة والولايات المتحدة الامريكية كل ذلك خلق بيئة امنية ديناميكية تتطلب قيام الصين بتأدية دور يأخذ بالحسبان خصوصية هذه المتغيرات ، لذا فهي تسعى الى تأدية دورها بوصفها عامل مهم في معادلة الاستقرار الامني والحفاظ على طبيعة التوازنات الجيوستراتيجية في المنطقة .
5-ادراك الصين اهمية تعزيز التعاون الامني في اقليم اسيا – الباسيفيك وذلك من خلال تعزيز السلام والسعي للاستقرار والتنمية، أذ تدرك الصين ان تنميتها السلمية ترتبط ارتباط وثيق بمستقبل منطقة اسيا – الباسيفيك، لذا ترغب الصين في مشاركة الدول الاقليمية في التمسك بفترة التعاون والكسب المشترك وفي دفع الحوار والتعاون الامني بثبات في سبيل عملية وضع المنطقة السلمي والمستقر بشكل مشترك ، توثيق التبادل والتعاون العسكري من اجل تعزيز السلام والاستقرار في اقليم اسيا – الباسيفيك.
قد منحت درجة الدكتوراه للطالبة بتقدير (جيد جدا ) متمنين لجميع طلبتنا الموفقية والنجاح في حياتهم العلمية والعملية وذلك يوم الاثنين الموافق 16/9/2019 على قاعة الحرية .