ناقشت كلية العلوم السياسية في جامعة بغداد اطروحة الدكتوراه (جدلية الاصلاح والثورة في الفكر السياسي الغربي المعاصر )للطالب (رياض ياسر كطان)وتناولت الاطروحة جدلية الإصلاح والثورة في الفكر السياسي الغربي المعاصر اطروحة تبتغي بيان الاراء والمبادئ والنظريات، والافكار المختصة بظاهرتي الاصلاح والثورة، ومدى تأثير احداهما على الاخرى من جهةٍ. وتأثيرهما على مجمل الفكر السياسي في اطاره الغربي من جهة أخرى، وموقف هذا الفكر المُعبر عن جدوى اعتبار أحدهما وسيلة التغيير الرئيسة من دون الآخرى للمدة الممتدة منذ العام 1850م ولغاية اليوم، ومن اجل ذلك فقد بينت الدراسة اتخاذ الإصلاح في الفكر السياسي الغربيمسار التغيير التطويري، التغيير الذي يتميز بسلميته وتدريجيته، اعتمادا على تغير البنى الأساسية القائمة، بحسب الظروف الموضوعية ، تارة صورة التغيير الشامل وطوراُ آخرصورة التغيير الجزئي، متميزاً من خلال الدراسة عن مفاهيم من قبيل مفهوم التحديث ومفهوم التنمية، ومن خلال الدراسة الموضوعية اتضحاختلاف هذه المفاهيم عن مفهوم الإصلاح وانه لايمكن ان تكون بديلاً عنه، بل هي مرتكزات للعملية الإصلاحية، وان الإصلاح السياسي المدخل الرئيس لها، ومن خلال تتبع تطور مفهوم الإصلاح في البنى الفكرية التي تضمنته وهي حقب الفكر القديم والوسيط والحديث، توصلت الدراسةالى ان مفهوم الإصلاح هو وليد الحضارة والفكر اليوناني، وان النخبة السياسية والمعرفية كان لها الدور الكبير في ابرازه من خلال المطالبة بالإصلاحات والسعي الى تطبيقها على ارض الواقع، في حين انعكس الاصلاح عند الرومان من خلال المطالب بالإصلاح التي كانت تنبعث من رؤوس أقلام المفكرين دون اهل السلطة والسياسة، فهي بالمحصلة عبارة عن ملامح للإصلاح، ولم تكن وليدة الفكر الروماني، في العصر الوسيط اتخذ مفهوم الإصلاح ومن خلال سيطرة الديانة المسيحية على البنى الفكرية والسياسية للامبراطورية الرومانية، صورة الإصلاح الديني، الإصلاح الذي تمت تسميته بالإصلاح الديني الأول، أو الإصلاح الكاثوليكي الذي سار على نهجين النهج الأول وهو إحلال مبادئ المسيحية بدلاً من مبادئ الوثنية والاتجاه الثاني هو اخضاع السلطة الزمنية للسلطة الروحية الدينية، اما في العصر الحديث ونتيجة لمساوئ الاكليروس الكاثوليك، فقد تحتم على الإصلاح الديني الثاني بقيادة المصلحين البروتستانت ان يتصدى لتلك المساوئ وان يقوم بإصلاح ما يمكن إصلاحه دون التعرض للسلطة الزمنية للحكام، ليتبع هذا الإصلاح، اصلاح ديني ثالث تميز براديكاليته، عُد الحلقة الفاصلة والنقطة الرئيسة الى اصلاح فكري وسياسي كان نتيجة للحداثة الفكرية التي اوجدها عصرا النهضة والتنوير، ولذا فقد كان للإصلاح الفكري كما هو الحال بالإصلاح الفكري النقدي الذي عبر عنه (كانط)، والإصلاح السياسي الذي عبَّر عنه (ميكيافيلي)،فضلاً عن الإصلاحات البرلمانية، أثره في إيجاد قاعدة فكرية وعملية للإصلاح في الفكر المعاصر متمثلاً في إيجاد مشروع إصلاحي يرتكز على أسس ومفاهيم وجدت في البنى الغربية وهي النخبة الإصلاحية التي تمتد جذورها الى النخبة الإصلاحية عند اليونان والرومان والنظام السياسي الحاضن لهذه الإصلاحات والممتدة جذورة في النظام السياسي الإنكليزي. وبالمحصلة من خلال دراسة الاطروحة الاصلاحية فقد توصل الباحث الى انها أطروحة إصلاحية متكاملة متمثلة في وجود نخبة إصلاحية يعبر عنها بالجماعة المنتظمة في اطار سياسي معين، والساعية من خلال مشاركتها او امتلاكها السلطة السياسية، عن طريق الآليات السياسية والدستورية، الى ادخال إصلاحات تطويرية تدريجية بطريقة غير عنفية الى البنى السياسية والاجتماعية والاقتصادية القائمة بغرض تحسين الوضع العام، وتنفيذ سياساتها الإصلاحية، انعكس مضمون هذه النخبة في الاطروحة الفكرية الإصلاحية عند (ادوارد برنشتاين)، المنظر الاشتراكي الديمقراطي الذي استطاع ان يعكس أطروحة إصلاحية متكاملة تقوم على أساس نقد الفكر الثوري من جهة، والاتيان برؤية فكرية إصلاحية متكاملة من جهة أخرى، جسدت بلا شك رؤية رجل النخبة الإصلاحي لبناء مجتمع متماسك، يعمل على تجسيد مفاهيم العدل والمساواة والحرية والتقدم، من خلال طرح إصلاحي سلمي ديمقراطي تدريجي من دون اللجوء الى العنف والثورة. ومن ثم عكست اطروحته نسقاً فكرياً ابتدأ بوجود نخبة سياسية منتظمة في اطار حزب سياسي، تسعى عن طريق العملية الديمقراطية والنظام البرلماني الى الوصول الى السلطة السياسية وتنفيذ الإصلاحات الشاملة في ظل النظام القائم بطريقة سلمية وتدريجية، بعيدة عن العنف، بوجود مرتكز اخر وهو النظام السياسي القائم على أساس الديمقراطية ومن ثم يرتبط الإصلاح بوجود نظام سياسي يعتمد نظام الحزبية الثنائية، كل ذلك انعكس ممارساتياً من خلال رؤية فكرية عكستها الاشتراكية الديمقراطية من خلال الحزب السياسي وهو الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني كانموذج قائم على أساس الأيديولوجيا الإصلاحية والذي من خلال وصوله الى السلطة استطاع ان ينتقل بالمجتمع والطبقة العاملة على حد سواء الى ما يمكن تسميته (دولة الرفاه)، والتي هي أفضل أنواع الدول والتي هي نتاج الفكر الإصلاحي. كذلك خلصت الدراسة الى ان (ادوارد برنشتاين)،

اما ظاهرة الثورة فقد توصلت الدراسة الى ماهيتها المتمثلة في التغيير الجذري الشامل للبنى المختلفة، المتسم بالعنف المبرر، تقوم به النخبة الثورية الواعية، بمساندة الجماهير المؤمنة بحتمية التغيير. مرتكزتاً على ثلاثة أسس فكرية تؤسس لها، وهي اولاً التغيير الجذري والشامل من خلال الانتقال من البنى القديمة الى البنى الجديدة ، انتقال يبدأ بتغيير البنية السياسية، وصولاً الى تغيير البنية الاجتماعية، وثانياً العنف المبرر الذي لايمكن انكار اقتران الثورة به، فهو وسيلة او اداة ممكن ان تعتمدها الثورة كمرحلة انتقالية، وممكن ان تفرض عليها نتيجة ظروف أمليت عليها لأسباب داخلية او خارجية. ثالثاً المساهمة الشعبية المتمثلة بقيادة النخبة الثورية من خلال عناصرها وطليعتها الثورية، هذه النخبة التي تتسم بالوعي والتنظيم، وان دور الجماهير، هو دور الاسناد في تحقيق الثورة  والاستيلاء على السلطة، في حين يتأرجح دور بقية مكونات الشعب بين المساندة العفوية للثورة، او اتخاذ موقف الحياد منها. ومن خلال الدراسة، فقد تم تميز مفهوم الثورة عن الانقلاب والذي هو بحسب ماتوصلت اليه الدراسة عملية تغيير او انتقال قد تكون عنفية احياناً، تطال البنية السياسية دون سواها، من خلال استيلاء مجموعة نخبوية معينة، دون مساهمة شعبية او جماهيرية على السلطة. في حين ميزته عن  التمرد والذي يعني الرفض والمقاومة والذي توصلت الدراسة الى عدهِ ممهد للثورة، ومع ذلك فإن  الاختلاف بينه وبين الثورة،  يبدو اختلافاً كبيراً، متمثلاً في ان التمرد هو حالة سلبية ورفضية لاتعمل على تقديم بديل بل تكتفي برفض الواقع، في حين ان الثورة نظرية ايجابية تطرح مشروعاً سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، وتستهدف بناء نظام جديد، فضلاً عن ان التمرد يتسم بالعفوية، بمقابل الثورة التي تتسم بالتنظيم والانضباط. كذلك ميزته عن مفهوم الانتفاضة والتي تعد مرحلة انتقالية ثانية تأتي بعد التمرد في اطار المشروع الثوري، لاتتسم فقط برفض الواقع القائم بدون تقديم بديل له، كما هو حال التمرد، بل تعمد الى تقديم مشروع مضمونه رفض وازالة المؤثر الذي من اجله انتفضت الجماهير، وهنا يتبين ان هذا المشروع وهو مشروع الانتفاضة والذي يتصف بالجزئية، لا يرقى الى المشروع الشامل والكامل الذي تبتغيه وتقدمه الثورة، فضلاً ان ظاهرة العنف التي تتصف بها الانتفاضة هي ظاهرة ملازمة لها، بدونها لاتعد انتفاضة بل يمكن تسميتها تمرداً، في حين ان العنف في الثورة هو اداة او وسيلة تفرضها ظروف معينة.  كما ان من يقوم بالانتفاضة هو الشعب متسماً بالعفوية، وان من يقوم بالثورة هي الطليعة الثورية الجماهيرية.

بالانتقال الى تتبع مفهوم الثورة في اطار الفكر السياسي القديم في بيئته اليونانية، فقد توصلت الدراسة الى أن الثورة في الفكر الغربي اليوناني ظاهرة طبيعية لا اشكال في اللجوء اليها، متى ما تحقق هدف التغيير من خلالها، تحدث بسبب عدم المساواة وسوء الفهم في تفسير مفهوم العدل بين الاطراف. في حين ركز مفهوم الثورة في الفكر السياسي الغربي الوسيط، على اطاعة السلطة السياسة،  وليس القيام بثورة ضدها، إلا ان ذلك لم يكن يمنع بروز ارهاصات فكرية ثورية، أما الاطروحة الثورية في الفكر السياسي الغربي المعاصر، والتي هي نتاج التطور التاريخي والفكري الغربي فقد ارتكزت على محورين، تمثل المحور الاول بالمرتكزات الفكرية للمشروع الثوري، وتمثلت بالوعي الثوري، الذي تجسد في ادراك وفهم الجماهير بإن الثورة هي الموقف الذي يضع النظام القائم في موضع التسأول ثم رفضه، ويتم ذلك تارة من خلال وعي جماهيري عفوي، وطوراً من خلال حزب ثوري يجسد هذا الوعي من خلال طليعته الثورية، لايمكن لهذا الوعي الجماهيري او الحزبي من قطف ثماره إلا من خلال توفر ظروف موضوعية من اجل تحقيق الانتقالة الثورية والمتمثلة في العامل الاقتصادي من خلال حالة الانتقال نحو الرخاء الاقتصادي، والعامل الاجتماعي المتمثل في الهبوط السريع في الاستمرارية الاجتماعية، ومن خلال الجمع بين الوعي الثوري والظروف الاجتماعية ينتج المشروع الثوري، هذا المشروع الذي تجسد عملياً من خلال النظرية الثورية عند (فلاديمير لينين)، والتي استمدت من المشروع الثوري ركائزها المتمثلة في وجود الايديولوجيا الثورية، والمساهمة الشعبية الفاعلة، فضلاً عن امتلاك الوعي الثوري، امتزجت النظرية الثورية عند (فلاديمير لينين)، في غمار القرن العشرين بالممارسة العملية، من خلال الثورات التي كان لينين في اغلب الاحوال، منظرها وقائدها. لتنبثق من خلال هذا التفاعل اطروحة ثورية معاصرة، تمتد جذورها الى الفكر السياسي الغربي الحديث، تهدف الى الانتقال بالمجتمع الغربي من حالة البؤس التي اوجدتها الراسمالية الى المجتمع الاشتراكي، الذي رفع شعار الحرية والعدالة.قد منحت درجة الدكتوراه للطالب بتقدير (جيد) متمنين لجميع طلبتنا الموفقية والنجاح في حياتهم العلمية والعملية وذلك يوم الخميس الموافق 12/12/2019 على قاعة الحرية . 

Comments are disabled.