ناقشت كلية العلوم السياسية في جامعة بغداد رسالة الماجستير( أثر التنمية المحلية في الاستقرار السياسي – اقليم كوردستان أنموذجاً”) للطالب (جبرائيل حسين علي عبد الله) وتناولت الرسالة لقد اضحت التنمية احد اهم غايات الدول التي تحاول اللحاق بعجلة النمو والتطور والارتقاء نحو واقعاً افضل يتوائم مع طبيعة وتغير وتجدد الحاجيات الاساسية للمجتمعات، تلك الحاجيات التي شغلت الحقول العلمية والاكاديمية والباحثين والمفكرين دوماً في ايجاد الالية والسبل الكفيلة بكشفها وتحليلها والاستجابة لها بالطريقة التي توائم رغبة المجتمع وقبوله لتكتسب الحكومات شرعيتها من خلال الرضا المجتمعي.

كما ويعد مفهوم التنمية المحلية من المفاهيم الحديثة والتي اثارت جدلاً واسعاً لدى الباحثين والمفكرين، اذ تكمن اهمية المفهوم من كونه يتناول العديد من الاسس والمرتكزات التي تدفع المجتمعات نحو التقدم والازدهار واشراك المجتمع في اساليب ادارة الانظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية من خلال التوزيع العادل للموارد والقيم السلطوية في الدولة.

ان ارتباط التنمية المحلية بالتنظيم الاداري المحلي حقيقة ثابتة في الانظمة العالمية، وهو ارتباط قائم على مستويين احدهما عضوي والاخر وظيفي، كما وتتأثر حالة الاستقرار السياسي في الدولة بقدرتها على تحقيق المنجز الاقتصادي ومن ثم الانخراط في التنمية الشاملة، مع الاخذ بنظر الاعتبار البيئتين الداخلية والخارجية.

وفي العراق ومن خلال تفحص تاريخه السياسي في الحقبتين الاخيرتين دون الرجوع الى حقب تاسيسه والحكومات التي تعاقبت على حكمه، فقد واجه العراق تحديات جمة تمثلت في متناقضين اثنين مثلت الحقبة الاولى منهم حكومة مستبدة وسلطوية يحمل في طياته مركزية شديدة تحكم بالاليات غير ديمقراطية، في حين مثلت الحقبة الثانية مرحلة ما بعد العام 2003، وما رافق تلك الحقبة من تغييرات جوهرية في طبيعة المجتمع والحكم معاً مستنداً بشكل افتراضي على اسس ديمقراطية شملت اطلاق الحريات في اغلب الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ما نجم عن تلك الحريات بشكلها المفرط الى تداخل وتشابك الصلاحيات والمسؤوليات بين اجهزة الدولة ومؤسسات المجتمع لتخلق حالة من التشضي والانقسام تحت شعار اللامركزية الادارية او السياسية.

وبطبيعة الحال فان التحديات السياسية والامنية التي واجهت العراق منذ العام 2003 ولغاية كتابة هذه السطور قد اثرت بشكل كبير على قدرة الحكومات التي تعاقبت على حكم العراق تحقيق تنمية نوعية شاملة في محافظات العراق غير المنتظمة باقليم، وقد عد الكثير من الكتاب والباحثين تجربة اقليم كوردستان العراق فيما يتعلق بمؤشرات التنمية المحلية هو انجاز مهم وحيوي لما تم انجازه في نفس الحقبة المذكورة انفاً.

ولاشك ان الاستقرار السياسي النسبي الذي شهده اقليم كوردستان العراق (في وقتاً كانت فيه أغلب باقي محافظات العراق تواجه  اشد انواع الهجمات والاعتداءات من قبل عصابات القاعدة وداعش) كان له الاثر البالغ في تحقيق تلك التنمية المحلية النسبية ايضاً، كما ان هناك وسائل واليات قد تم الاخذ بها من قبل حكومة الاقليم تم صياغتها والتخطيط لها على شكل استراتيجيات تنموية شملت معايير زمانية ومكانية ونوعية جاءت بنتائج ايجابية وفق مؤشرات التنمية البشرية لدى المؤسسات واللجان والمنظمات الدولية والاقليمية (مع الاخذ بنظر الاعتبار حصة الاقليم من ميزانية تنمية الاقاليم التي يزود بها من قبل حكومة المركز)، وذلك يعكس بشكل او باخر العلاقة الايجابية بين كل من الاحزاب السياسية المشتركة في العملية السياسية في اقليم كوردستان وبين مؤسسات التنمية وعناصرها، اضافة الى الدور الرئيسي لفريق رئاسة الاقليم المتمثل بالسيد مسعود البارزاني واعضاء حكومته.  كما وتهدف الرسالة الى تبيان نوعاً ما تلك العلاقة الطردية بين التنمية المحلية والاستقرار السياسي في منطقة تعد جزءاً لا يتجزأ عن العراق الواحد مع الاختلاف في بعض السمات والخصائص الجغرافية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

لذلك جاءت هذه الرسالة لتسلط الضوء على المفاهيم المكونة للعنوان وهي (التنمية المحلية والاستقرار السياسي والرابط بينهما منطقة اقليم كوردستان العراق)، كذلك لتكشف طبيعة العلاقة بينهما وتضع اقليم كوردستان العراق انموذجاً لبرهنة فرضية الرسالة باستخدام مناهج علمية واكاديمية، كما تم الاستعانة بمجموعة من الاحصائيات والبيانات واللقاءات التي قد تدعم من اثبات فرضية البحث.

تنطلق فرضية الرسالة من الاتي: ترتبط عملية التنمية المحلية بالاستقرار السياسي بعلاقة طردية، اذ لا يمكن تحقيق احدهما من دون وجود الاخر، كما ان تحقيق التنمية المحلية في اقليم كوردستان العراق بشكلها النسبي كجزء لا يتجزأ من العراق الموحد، جاء نتيجة وجود عامل الاستقرار النسبي اولاً، ثم وجود تلك الارادة الحقيقية والشفافة لدى حكومة الاقليم لتحقيق تلك التنمية ثانياً، فاستطاعت بذلك ان ترسم السياسات وتضع الاستراتيجيات لتحقيق ذلك الهدف.

اما منهجية الرسالة فقد استند الباحث ولتحقيق اكبر قدر من الموضوعية ولغرض الوقوف على الحقائق بشكلها العلمي والاكاديمي، فقد تم الاستعانة بالمنهج النظمي في تسليط الضوء على مدخلات ومخرجات الاقيام والمعلومات وتحليلها للخروج بنتائج علمية، كما تم الاستعانة بالمنهج التاريخي في الاستدلال على التوابع التاريخية لموضوعة البحث، كذلك تم الاستعانة بالمنهج المقارن للتعريج على الفروقات والاختلافات والتمايز بين بعض الانظمة والقوانين التي سنها الاقليم مقارنة بتلك التي سُنت في حكومة المركز والمحافظات غير المنتظمة في اقليم مع تحليل موجز لمخرجات هذه القوانين، واخيراً تم الاستعانة بالمنهج الاستنباطي للوقوف على مخرجات مضمون الرسالة وبيان الاستنتاجات.

وقد جاءت هيكلية الرسالة لتحتوي على ثلاث فصول احتوى الفصل الاول منها على ثلاثة مباحث حيث تحدد تعريف وتوضيح للمفاهيم المكونة لعنوان الرسالة من ثوابت ومتغيرات في اطار نظري مفاهيمي (التنمية المحلية، الاستقرار السياسي، طبيعة العلاقة بينهما)، ثم جاء الفصل الثاني ليسلط الضوء على طبيعة اقليم كوردستان العراق والسمات والخصوصية التي تميزه عن باقي مناطق العراق الاخرى، وتبيان المؤسسات الرسمية وغير الرسمية مع علاقة تلك المؤسسات بالتنمية المحلية فيه، اما الفصل الثالث فيحتوي على مبحثين يمثل ومن خلال مجموعة من البيانات والاحصائيات واللقاءات الخاصة لتبني الرؤى حول بيان وقراءة مستقبلية لطبيعة التنمية المحلية واثرها على الاستقرار في الاقليم كما يسلط الضوء على مستقبل العلاقة بين حكومتي الاقليم والمركز واثرها على متغيري الرسالة، ثم الخاتمة ومجموعة من الاستنتاجات العامة والفرعية من قبل الباحث كمحصلة لما توصل اليه من نتائج بخصوص موضوعة الرسالة ومن الله التوفيق.وقد منحت درجة الماجستير للطالب بتقدير (امتياز) متمنين لجميع طلبتنا الموفقية والنجاح في حياتهم العلمية والعملية وذلك يوم الاثنين الموافق 27/01/2020 على قاعة جهاد الحسني

 

Comments are disabled.