ناقشت كلية العلوم السياسية في جامعة بغداد رسالة الماجستير(تطبيق نظام اللامركزية بين النص القانوني والواقع العلمي :السودان بعد عام 2005 انموذجا ) للطالبة (بشائر احمد عبد خميس ) وتناولت الرسالة يتمتع السودان بمساحة كبيرة وواسعة مترامية الأطراف متعدد الثقافات الأثنية والعرقية في تجمعاته السكانية و نمط حياته الزاهر بالموارد المالية والبشرية ، إذا كان لا بد من تطبيق نظام حكم يراعي هذه الخصوصية والتنوع ويحقق التنمية المتوازنة في ربوع البلاد ويلبي طموحات ورغبات المواطنين بإختلاف مناطقهم وخصائصهم في المشاركة بالحكم والأهتمام بمشاكلهم المحلية.
لذا جاءت رسالتي التي تحمل عنوان (( تطبيق النظام اللامركزي بين النص القانوني والواقع العملي السودان بعد عام 2005م أنموذجاً )).
أتجهت معظم الدول المتقدمة والنامية نحو الأخذ بالنظام اللامركزي ، وهو نتيجة طبيعية لعد متغيرات حدثت في العالم وهذه المتغيرات قد تكون سياسية وأجتماعية وأقتصادية ولاشك أن لهذه المتغيرات الأثر الفعال في تغيير أسلوب إدارة المجتمعات الإنسانية والتوجه نحو التنمية والتطور ، وتعد السودان إحدى تلك الدول التي فرض عليها واقعها السياسي والأجتماعي والأقتصادي والجغرافية ، أن يتحول بين أنظمة الحكم المختلفة حتى استقربها المقام في النظام اللامركزي.
كما ادت موجة التحول الديمقراطي في البلدان النامية خلال العقود الأخيرة الى أيلاء مسئلة اللامركزية مكانه ذات أولية في عملية التحديث السياسي لهذه البلدان ، وتبدوا اللامركزية في نماذجها المطروحة بمثابة نظام يهدف الى تمكين السكان ، وزيادة المشاركة الشعبية ، ومع ذلك هناك دائماً تضارب بين أهداف اللامركزية وجدول أعمال النخب الحاكمة فيما يتعلق بأهداف اللامركزية ودورها في عملية الحكم.
وفضلاً عن ما تقدم ، فإن معظم الحكومات العسكرية في السودان وبعض البلدان النامية ، التي تتسم شعبيتها بالضعف بين السكان ، قد تسعى الى تعزيز شعبيتها والسيطرة عليها بإستخدام مشاريع اللامركزية الشكلية كأدوات رمزية لتمويه
أهدافها الحقيقية ونواياها المتمثلة في تحقيق السيطرة المركزية ، حيث يكون الهدف الأسمى او الحقيقي هو تعزيز الدعم للأنظمة من خلال التعبئة الجماهيرية ، بدلاً من إشراكهم في صنع السياسات وأتخاذ القرارات.
لذا فأن اللامركزية قد تبدوا للنخب الحاكمة بديلاً للديمقراطية في السودان ، البلد الذي لا يمكن أن يحكم من المركز دون تفويض وتخويل حقيقي للوحدات الإدارية المتوسطة أو المحلية.
عليه فأن مسألة اللامركزية في السودان تعد جزءاً أساسياً من أزمة الحكم وإدارة النظام السياسي بالمجمل وأن عملية تطبيق النظم اللامركزي بصورة تتلائم ومتطلبات الحكم المحلي كما التوجيهات السياسية للنخب الحاكمة ، وتعد مسألة متعددة الأوجه بمعنى أنها تتطلب البحث في الأسس والتطبيقات أو السياسات في الوقت ذاته ، والتي تعكس مدى قدرة النظام على إرساء نموذج من النظام اللامركزي يكفل تلبية متطلبات الأستقرار والتنمية وإرساء الديمقراطية في السودان وهي مهمة ليست باليسيرة في ظل التحديات المختلفة.
كما تكمن أهمية الدراسة ، من كونها تركز على النظام اللامركزي في السودان بين ما هو موجود في النصوص الدستورية والقانونية وواقعها العلمي فضلاً عن ندرة الدراسات التي تناولت هذا الموضوع حيث ان أغلبها لم يتطرق الى النظام اللامركزي في السودان بعد عام 2005م لذا سيتم تركيز الدراسة على حاجة السودان الى نظام لامركزي يتوافق ويتناسب مع خصوصياتها من النواحي السياسية والأقتصادية والأجتماعية وكذلك تسليط الضوء على المدة الأنتقالية وتحليلها بعد انقلاب 11 نيسان 2019م.
وتنطلق أشكالية الدراسة من تساؤل مفاده هل هنالك تطابق بين الأسس المعتمدة في النظام اللامركزي على صعيد النص الدستوري والقانوني وبين التطبيق العلمي في السودان بعد عام 2005م بما يكفل تلبية النظام لمتطلبات اللامركزية في التطبيق.
ومن هذا المنطلق توزعت الدراسة الى ثلاثة فصول، فقد أهتم الفصل الأول بالنظام السياسي في السودان وعوامل تبني اللامركزية ، في حين تناول الفصل الثاني تطبيق النظام اللامركزي في السودان بعد عام 2005م ، اما الفصل الثالث فهو يتعلق بدراسة تحديات تطبيق النظام اللامركزي بسبب النص القانوني والواقع العلمي في السودان بعد عام 2005م.
كما توصلت الدراسة الى عدة نتائج :-
1. أن عدم استقرار النظام السياسي في السودان أضافة إلى غياب الرؤية الاستراتيجية الشاملة لبناء دولة جامعة لكل السودانيين بسبب اختلاف الرؤى والايديولوجيات بين النخب السياسية أسهم في حدوث الإرباك على مستوى النظام السياسي نتيجة كثرة التشريعات للنظام اللامركزي في السودان الذي أدى بالنتيجة إلى ضعفه.
2. لم تتمكن اللامركزية في تخفيف النزاع والصراع وتحقيق الاستقرار في السودان بسبب التطبيق الخاطئ لها، فالولايات لم تحصل على موارد مالية كافية تمكنها من اداء واجباتها بشكل جيد، كما انها لم تحصل التفويض السياسي والصلاحيات التامة.
3. أدت السياسات التي مارستها الحكومات الوطنية المتعاقبة على حكم السودان من ضمنها حكومة الانقاذ إلى تفكك وحدة البلاد مما أثر على الوحدة الوطنية في السودان نتج عنها انفصال جنوب السودان عام 2011م, وظهور دولة مستقلة عرفت فيما بعد بجنوب السودان.
4. استخدمت اللامركزية في السودان كأداة سياسية للحفاظ على الوحدة الوطنية والاستقلال السياسي لكنها فشلت في تحقيق الوحدة الوطنية المنشودة والسلام نتيجة لتطبيقها بناءً على البيئة الجغرافية والعوامل الإدارية بدلاً من الاعتماد على النواحي الثقافية والاثنية.
5. أن المشكلات المزمنة في السودان منذ الاستقلال والى هذا اليوم مثل عدم صناعة دستور دائم للبلاد، والمشاكل الاقتصادية، والنزاعات القبلية، وعدم الانصهار القومي، تفاقمت أكثر بسبب فشل الحكومة المركزية.
6. بالرغم من التفصيل الجيد في توزيع الاختصاصات بين مستويات الحكم في الدستور السودان الانتقالي لسنة 2005م، وتحديد السلطات المشتركة والمتبقية, ووضع أليات لتسوية النزاعات بشأنها، ألاً أننا وجدنا غموضاً وتداخلاً في مسمياتها وتوزيعها بين المستويات القومية والولائية.
7. جاء توزيع الاختصاصات في ظل دستور السودان الانتقالي سنة 2005م، ومخالفاً لما درجت علية دساتير الدولة الاتحادية، بمنح اقليم جنوب السودان اختصاصات سيادية في الدفاع والسلطة القضائية وغيرها، ويبدو ان السبب كان محاولة للوصول لمعادلة بين الشمال والجنوب، وتجسيد قوة انعدام الثقة بينهما للوصول الى سلام دائم بينها، وهو مالم يحدث حيث تم انفصال جنوب السودان عام 2011م.
8. أن هناك التباس يتعلق بوضعية المستوى المحلي في الدستور السودان الانتقالي لسنة 2005م، اذ اعتبرته المادة (24) واحد من مستويات الحكم الا انه لم يعد له اختصاصات كمستوى مستقل حيث ادرج تحت المستوى الولائي.
9. بالرغم من الغموض والتداخل بين الاختصاصات القومية، والولائية، والمشتركة والمتبقية، الا ان دستور السودان الانتقالي لسنة 2005م حاول معالجة تداخل الاختصاصات المشتركة والمتبقية عبر تحديد آليات تنفيذية لمعالجة التنازع قبل اللجوء للمحكمة الدستورية.وقد منحت درجة الماجستير للطالبة بتقدير (جيد جدا )متمنين لجميع طلبتنا الموفقية والنجاح في حياتهم العلمية والعملية وذلك يوم الاربعاء الموافق 2/9/2020 على قاعة جهاد الحسني .