ناقشت كلية العلوم السياسية في جامعة بغداد رسالة الماجستير (الاستغراب في الفكر السياسي العربي المعاصر ) للطالبة ( دانية جميل هادي) وتناولت الرسالة مثلت دراسة المشاريع النهضوية الفكرية العربية واحدة من المواضيع التي لها أهمية كبرى في معرفة قضايا.الفكر.العربي.المعاصر وما يتعلق بمسائلها الفكرية التي تحدد أسباب الوقوع الحضاري الذي لاحق المجتمعات العربية، والذي خلف عن ذلك نهوض مشاريع جديدة تشخص اسباب الفشل وعوامل التراجع في الجانب الفكري والسياسي، وعلى ضوء هذا اخذت هذه المشاريع النهضوية على عاتقها البدء من جديد في اصلاح بنية الخلل الظاهر على المستويين الفكري والقيمي في جسد الفكر العربي المعاصر. ولعل من أبرز هذهِ المشاريع الفكرية النهضوية هو مشروع “علم الاستغراب”، فبالوقت الذي سُلط فيه الضوء على الاستشراق وكل قضاياه الفكرية ظهر هذا العلم مواجهاً لهذا الآخير الذي عُني الاهتمام بالغرب (ثقافةً وفكراً، عادات وتقاليد)،  والذي يحمل خصوصية في المنشأ والممارسة والتنظير والتطبيق، إنه ميدان علمي يصوغ رؤى التغيير والتحول والتبدل والأنتقال من صيغ الهزيمة في الواقع إلى صيغ التطلع في الحاضر والمستقبل، ومن شعور العجز الذاتي إلى شعور الإبداع الإنساني، ومن موقع الهامش المجرد إلى موقع المتن الفاعل، ومن التقهقر والعدوانية إلى المواجهة والندية.

يدعو علم الاستغراب إلى تأسيس أساليب جديدة في معرفة الآخر ودراسته، ستغدو نبعاً معرفياً متدفقاً لأكتساب النتائج التي رافقت ولادة الحضارة الإنسانية وإنجازاتها عبر عقود خلت، كما وتتمثل أهم أهدافه من وجهة نظر مفكريه بالأهداف الآتية:-

1-فكْ الشفرة التأريخية المزدوجة-الواقعة بين الأنا وآلأخر، والجدل الحاصل بين مَركبْ النَقصْ عندَّ الأنا ومَركبْ العَظَمَة عندَّ الآخر.

2-مواجهة المركزية الأوربية، ورد ثقافة الغرب إلى حدوده الطبيعية.

3-يرمي الاستغراب الى إنهاء سطوة الغرب ولا سيما أوربا كونها ممثلة للأنسانية جمعاء، فتأريخ العالم والأنسانية والفلسفية هو تاريخ الغرب، وحتى عصور الغرب هي عصور الكل، فكل شيئ يصب في الغرب، ومن هذا المنطلق تتركز مهمة مفكرينا وباحثينا الى إعادة صياغة فلسفات التاريخ الأوربي في القرنين(الثامن عشر، والتاسع عشر) خاصة بعد أن صاغت التأريخ كله وصبتها بالحضارة الغربية.

ومن هنا ظهرت الحاجة لرؤية جديدة تصاحب الفكر العربي مما حدا بعض العرب من مفكرين وباحثين الى العناية بهذا المشروع الذي اتخذ من النواحي العقدية والفكرية والأخلاقية والسياسية منهجاً اساسياً في رصد معالم الفكر الغربي على مدياته الثقافية ومساحاته التاريخية. حتى ان بعض منظري هذا المشروع قد وظف المنجزات الفلسفية والمعرفية لمداخل الفكر الغربي عبر رؤية تفكيكية تقترب من مجسات النزعة الانسانية.

ومن أهم مفكري علم الاستغراب هم حسن حنفي وأحمد الشيخ ومازن مطبقاني ومحمود ماضي وعبدالله الشارف والطيب تيزني .

 وتجسدت أهمية البحث في تسليطها الضوء على مشروع فكري مهم في الساحة الفكرية العربية خاصة وان هذا النوع من المشاريع لم يُلقى أهمية في معاهدنا وجامعاتنا ومدارسنا، فضلاّ عن كون هذا العلم يوضح أبعاد شاملة تستنهض من طريقه أعباء القراءة الفكرية للواقع العربي وإيجاد البدائل والحلول المطلوبة، وذلك من خلال تقويم الواقع القائم وإخضاعه للمشارطة النقدية الفكرية والمنهجية والتأريخية. كذلك سيبقى الاستغراب سبباً في افادة الغرب ذاته في مرآة الآخر كما رأينا ذواتنا في مرآته منذ عدة أجيال وابان عصر نهضته من اجل القضاء على تمركز العالم حول الغرب ووضع الحضارات الإنسانية كلها على نفس المستوى بعد حصر فائض القيمة التأريخي ورده للشعوب التاريخية صاحبة الحق فيه.

وحول أشكالية الدراسة فأنها تنطلق من إشكالية التوفيق بين متطلبات وأولويات الواقع الفكري والسياسي العربي المعاصر وبين التشابك والتعقيد في تحديد المؤثرات والصعوبات النظرية لعلم الاستغراب فهل يعد هذا العلم علماً أصيلاً أم علماً تلفيقياً ضمن المسار الفكري العربي المعاصر ؟

أما فرضية الرسالة فجاءت اجابة مفترضة وتحددت في اثبات فرضية مفادها (إذا كان الاستغراب يمثل أحد المشاريع الفكرية العربية المعاصرة والمقابل لعلم الاستشراق فأنه لا يمثل مشروعاً حضارياً متكاملاً نظراً لحاجته إلى بيئة ونخب ومؤسسات ذات آفاق أحيائية) .

وتوصلت الدراسة الى إن الاستغراب بالرغم من أنه يمثل أحد ابرز المشاريع الفكرية المعاصرة إلا أنه لا يزال إلى الآن حديثاً عن فكرة تجريدية، وليس حديثاً عن واقعة تاريخية سياسية ومعرفية مادية تملكت أدواتها ولها مآثرها في الواقع الحي، هذا إذا ما قورن بالاستشراق، فما يزال الأخير يمثل تجربة معرفية شاملة اقترنت بسياسات رسمية وغير رسمية واضطلعت بها دول ومدارس وليس دولة واحدة أو مدرسة واحدة، عندئذ، وقبال ذلك، تصبح الكتابة في الاستغراب عموماً مجرد جمع ولملمة لشواهد تاريخية ومواقف مفكرين لم تكن لتنتظم في سياق معرفي استغرابي. لكن تبقى هناك نظرة تأملية وهي من الممكن ان تتحول نظرياته إلى تطبيقات عملية فيما لو لم يبقى حبيساً للاطار النظري .

ومن أهم الاستنتاجات التي تم التوصل إليها هي:-

1-الاستغراب علم له كيانه، ومبادئه، ونظرياته، وهو بلا شك لم يظهر إلا إنعكاساً لحاجة البيئه لهُ، وبذلك لم يكن ظهوره في أي وقت من الأوقات بداعي الترف الفكري كما ارتأى بعض في تسميتهِ، ولم تنبع حاجتهُ من فراغ .

2-إن تأسيس الاستغراب ليس بالأمر الهين فإذا اراد بأن تكون منظومته الفكرية والمعرفية متكاملة ومصاحبة بآليات وأهداف واضحة، فهو يحتاج لوقت طويل ومزيد من الصبر بقدر كل التخلف المعرفي والفراغ الذي شاهدهُ الأنا العربي.

3-يتفق بعض مفكري الاستغراب حول إن هذا العلم لم يأتِ إلا كردة فعل عن الاستشراق، في حين يتضح ان ما يحمله الاستشراق من مذاهب يختلف عما جاء به الاستغراب، فكان ظهور الأخير مرتبطاً بآيديولوجيات التحرر وتحليل التجارب التي عاشها الأنا العربي، على خلاف الاستشراق الذي ظهر محملا بمناهج بحثية علمية مختلفة. وبالتالي ستختلف دراستنا عن دراسة الغرب لنا.

ولغرض بحث الموضوع بالتفصيل والاسلوب العلمي المتبع وفق منهج واضح ومتبع تطلب الأمر منا تقسيم الرسالة وانتظامها في ثلاثة فصول فضلاً عن المقدمة والخاتمة واستنتاجات مثلت أهم ما توصلت إليه الدراسة.

 قسم الفصل الأول الذي حمل عنوان (الاستغراب: دراسة في المفاهيم) على ثلاث مباحث تناول المبحث الأول الاستغراب ما بين المفهوم والنشأة.

في حين خصص المبحث الثاني لدراسة الاستغراب والاستشراق.

وتناول المبحث الثالث اهداف الاستغراب واغراضه.

أما الفصل الثاني الذي حمل عنوان (موقف الاستغراب من القضايا الغربية) فقد تم تقسيمه إلى مبحثين.

أختص المبحث الأول بدراسة نقد المركزية الغربية.

فيما انشغل المبحث الثاني بدراسة نقد الأتجاهات الفكرية الغربية.

في حين يذهب الفصل الثالث الى بيان (علم الاستغراب بين الواقع والمستقبل) والذي اقتضى توزيعه إلى مبحثين

اختص المبحث الأول بالمشروع الفكري للاستغراب بين الآراء المؤيدة والرافضة

وينتقل المبحث الثاني للاهتمام بمستقبل علم الاستغراب وطبيعة العلاقة بين الأنا والآخر .

ومن ثم جاءت الخاتمة في نهاية الرسالة لتبين أهم الاستنتاجات التي توصل إليها الباحث في هذه الدراسة، متيقناً بأنه لا يوجد هناك عمل كامل وجاهز ولا يحتاج إلى الأضافة والتطوير، ومتمنياً من الأخوة الزملاء الباحثين والمهتمين في هكذا مجال بالاستمرار والتوسع بهذه الدراسات المهمة والتي تلامس مصير المجتمعات والأفراد، لأننا لا ندعي الكمال في هذا العمل، وأن الكمال هو لله تعالى وحدهُ لا شريك له وهذا أمر قطعاً لا يقبل الشك.وقد منحت درجة الماجستير للطالبة بتقدير (جيد جدا عالي )متمنين لجميع طلبتنا الموفقية والنجاح في حياتهم العلمية والعملية وذلك يوم الخميس الموافق 4/3/2021 على قاعة جهاد الحسني .

 

 

 

 

 

 

 

 

Comments are disabled.