ناقشت كلية العلوم السياسية في جامعة بغداد رسالة الماجستير (متغير المياه في الإدراك الإستراتيجي الإسرائيلي بعد الحرب الباردة : الشرق الأوسط أنموذجًا) للطالبة (مينا عدنان عبد الامير ) وتناولت الرسالة تُعد المياه من أهم الموارِد الطبيعية في العالم؛ كونها تُشكل أساس المتطلبات والحاجات سواء في القطاع الزراعي أو الصناعي أو المنزلي، وانتعاش هذه القطاعات يعود إلى وجود هذا المورِد فلولاه لا يُمكن أن تستمر على أتم وجه، ونتيجة لتباين وجود المياه في دول وكُثرتها في دول أخرى أدى هذا الأمر إلى حدوث أزمات حول هذا المورد، لتأمين الحدود المائية، ولما له من تأثير في التحرُكات العسكرية في المنطقة؛ فبذلك يُعد هذا العامل مصدر للتوترات بين الدول الغنية بالمياه والدول الشحيحة، ونتيجة المطامع بمورد المياه، والذي يُعد ورقة ضغط، أدى إلى حدوث مشكلات بين الدول الطامِعة والدول المالكة للمياه.

عملت إسرائيل عن طريق توظيف إدراكها الإستراتيجي على تحقيق الأهداف والغايات الإستراتيجية لها بدعم حلفاؤها؛ للحفاظ على يهودية الدولة، وتعزيز قوة الردع في أثناء منع الخصوم في الحفاظ على السلاح النووي الإيراني. فإن إسرائيل عمليًا تقوم بضربات وقائية واستباقية؛ لكي تحافظ على توازن القوى في المنطقة والمحافظة على وجودِها وبقائها في الشرق الأوسط؛ وذلك لتنفيذ الإرادة الأميركية. فلا بد أن تُوّاجَه تحديات الإدراك الإستراتيجي الإسرائيلي من لدُن دول الشرق الأوسط؛ وذلك عن طريق وضع سياسات فاعلة مع التنفيذ المرن القائم على التشاور بين أصحاب القيادات في دول الشرق الأوسط، وتعزيز الاستقرار والتعاون بين دول المنطقة، يساعد في عملية وضع الحلول والمُعالجات لمياه المنطقة بأكملها.

تهدف الدراسة إلى بيان المُخططات التي تسعى من ورائها إسرائيل إلى تحقيقها، كون متغير المياه هو الوسيلة لتطبيقها على أرض الواقع، وتأثير المُتغيرات والمُحدِدات في رؤيتها الإستراتيجية، في تحقيق ما ترسِم إليه في منطقة الشرق الأوسط، فهل وقفت عائق في تحقيق مخططاتها، أم استطاعت أن تحقِق ما تريد؟.

تتضمن مشكلة الدراسة إتجاهين، الإتجاه الأول، إن مخططات إسرائيل حيال مياه الشرق الأوسط تقوم بالضِد من خُصومها في المنطقة؛ لتعزيز نفوذها وبسط سيطرتها لتحقيق أمن مائي وغذائي لِسُكانها من دون دول المنطقة واللذان يُعدان الأساس في تحقيق الأمن القومي الإسرائيلي، فإنها تتجه للقوة العسكرية؛ للحصول على ما تُخطِط لها وفق إدراكها الإستراتيجي نظرًا لما تملكه من قدرات عسكرية، ودعم حلفاؤها الدوليين وتعاملها مع حلفائِها الإقليميين، وتجعل من متغير المياه وسيلة لتحقيق غايات أخرى في المنطقة.

الإتجاه الثاني، على الرغم من توظيف إسرائيل لإدراكها الإستراتيجي ضمن مخططاتها أو الدعم الدولي والإقليمي لها، فإن سياسات بعض دول المنطقة وخاصةً الدول العربية في تحقيق التنمية المستدامة، والمُحدِدات والمُتغيرات الإقليمية والدولية المؤثرة بالشكل السلبي على الإدراك الإستراتيجي الإسرائيلي جعلت من إسرائيل تتجه إلى صيغ أخرى لتوفير المياه للشعب اليهودي، عبر ما تمتلكه من قدرات تكنولوجية.

تسعى الدراسة إلى التأكد من فرضية مفادها: كلما كانت هناك معالجات حقيقية لمشكلات المياه من لدُن دول الشرق الأوسط عبر تَفَهُم هذه الدول لحقيقة الإدراك الإستراتيجي الإسرائيلي، ووضع إستراتيجيات موحدة، وتعاون بين هذه الدول جميعها وتمتعها بقيادات وطنية غير مُتبِعة لضغوطات خارجية، كلما كان هناك عدم تحقيق للإرادات الإسرائيلية، وإنما حل مستديم لمشكلة المياه في المنطقة. ولإثبات هذه الفرضية تهدف الدراسة للإجابة عن الأسئلة الآتية:

أولًا: كيف وظفت إسرائيل إدراكها الإستراتيجي نحو متغير المياه في منطقة الشرق الأوسط؟

ثانيًا: هل يمكن مواجهة الإدراك الإستراتيجي الإسرائيلي من لدُن دول منطقة الشرق الأوسط ووضع معالجات لمسألة المياه؟

اقتضت طبيعة الدراسة تقسيمها على مقدمة وأربعة فصول، فضلًا عن خاتمة واستنتاجات وتوصيات، وهي الآتي:

الفصل الأول تم فيه دراسة المفهوم النظري للإدراك الإستراتيجي، تضمن ثلاثة مباحث وكل مبحث مطلبين، المبحث الأول تم البحث في مفهوم الإدراك بصورة عامة، والإدراك الإستراتيجي بصورة خاصة، والمفاهيم المُقارِبة له، والمبحث الثاني تم البحث في أهداف الإدراك الإستراتيجي الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط، والمبحث الثالث محدِدات الإدراك الإستراتيجي الإسرائيلي بشقيها الداخلية (المحلية)، والخارجية (الإقليمية والدولية).

الفصل الثاني خُصص في البحث عن مصادر المياه في منطقة الشرق الأوسط وأهميتها في الإستراتيجية الإسرائيلية، وتم تقسيم الفصل على ثلاثة مباحث وكل مبحث مطلبين، المبحث الأول تم البحث في الرؤية الإستراتيجية الإسرائيلية لمواقع المياه السطحية (الأنهار والبحار والبحيرات) في منطقة بلاد الشام المتمثلة بفلسطين والأردن ولبنان وسوريا، والمبحث الثاني تم البحث في الرؤية الإستراتيجية لمواقع المياه الجوفية في منطقة بلاد الشام في هضبة الجولان ووادي عربة والباقورة والغمر، والمبحث الأخير الرؤية الإستراتيجية الإسرائيلية لمواقع مياه أنهار النيل والفرات ودجلة.

الفصل الثالث خُصص للمُتغيرات المؤثرة في الإدراك الإستراتيجي الإسرائيلي وإستراتيجيات التمكين المائي، وتم التقسيم على ثلاثة مباحث وكل مبحث مطلبين، تم البحث في المبحث الأول عن المُتغيرات الإقليمية المتمثلة بمتغيرات الدول العربية وغير العربية، والمبحث الثاني المُتغيرات الدولية المتمثلة بالقضايا والأزمات الدولية ومتغيرات القوى الكبرى، والمبحث الثالث تم البحث في إستراتيجيات التمكين المائي المتمثلة بالجهود (الإقليمية والدولية).

الفصل الرابع خُصص في دراسة الرؤية المستقبلية للإدراك الإستراتيجي الإسرائيلي إتجاه متغير المياه في منطقة الشرق الأوسط، وتم تقسيم الفصل على ثلاثة مباحث (مشاهد)، وكل مبحث مطلبين تم البحث في فرص تحقق المشهد من عدم تحققه، حيث المبحث الأول مشهد حروب المياه (الهيمنة الإسرائيلية)، والمبحث الثاني مشهد تأزُم مشكلة المياه (استعادة سيطرة الدول الشرق أوسطية)، والمبحث الثالث مشهد انتهاء مشكلة المياه (التوافق والتعاون والسلام).

وتوصلت الدراسة إلى أن كون منطقة الشرق الأوسط تتمتع بأهمية إستراتيجية على الصُّعِد (السياسية، والأمنية، والعسكرية، والاقتصادية)، وتوفر الموارد المائية في هذه المنطقة وبالمقابل شِحتها في إسرائيل؛ فلذلك جعلتها إسرائيل الأولى في حسابات إدراكها الإستراتيجي وأدرجتها ضمن أهدافها الجيوبولتيكية؛ لتحقيق شعارها (حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل)، كون أن الموارد المائية جميعها، تُمثِل مواقع إستراتيجية، تُحقِق مفهوم الجيوبولتيك بالنسبة لها، للسيطرة على منطقة الشرق الأوسط؛ عن طريق إقامتها للتحالفات الدولية والإقليمية واستغلالها للثغرات الموجودة في سياسات بعض دول الشرق الأوسط التي لم تعتمد على إستراتيجية موحدة للنهوض بالواقع المائي في المنطقة والحد من تحقيق أهداف إسرائيل.وقد منحت درجة الماجستير للطالبة بتقدير (امتياز)متمنين لجميع طلبتنا الموفقية والنجاح في حياتهم العلمية والعملية وذلك يوم الاثنين الموافق 29/3/2021 على قاعة جهاد الحسني

Comments are disabled.