ناقشت كلية العلوم السياسية في جامعة بغداد رسالة الماجستير (تأثير الفواعل غير الرسمية في السياسة الخارجية العراقية بعد عام 2003 : المرجعية الدينية العليا دراسة حالة ) للطالبة ( سهى منعم جيجان ) وتناولت الرسالة نسمع كثيرا عن نماذج الدول التي عاشت مسيرة التحول الديمقراطي كبولندا واسبانيا وغيرها ، وكفرد عراقي عاصر احداث عام 2003 الى الان ،  وجدت ان العراقجدير ان اكتب عن مسيرة تحوله الديمقراطي وان اسلط الضوء على ابرز المتغيرات والفواعل التي اثرت وما زالت في المشهد السياسي العراقي .

ولعل سائل يسأل ما هي مديات تأثير المرجعية الدينية العليا كفاعل غيررسمي في السياسة الخارجية العراقية بعد عام 2003 ؟

ويمكن القول أن للفواعل غير الرسمية تأثير كبير في السياسة الخارجية للدولة وعلى صانع القرار السياسي الخارجي وقد يكون هذا التأثير مباشر أو غير مباشر، كما يمكن أن يكون إيجابي فيما لو تم توظيفه بالشكل الصحيح من قبل صانع القرار. وكان للمرجعية الدينية العليا المتمثلة بالسيد علي السيستاني الدور الرئيسي والفاعل في العملية السياسية في العراق الجديد بعد عام 2003م، وبالرغم من إن منهجها قائم على المحافظة على المؤسسة الدينية بعيدة عن السلطة  وعدم التدخل المباشر بالسياسة، إلا إن واقع التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية والمجتمعية التي واجهت العراق في تلك الحقبة، وإنطلاقا من متبنياتها في رعاية الأمة، فرضت على المرجعية الدينية العليا القيام بدور رغم إنه غير رسمي إلا انه إساسي في عملية بناء النظام السياسي الديمقراطي الجديد، اذ عملت من خلال سلسلة من الخطابات والبيانات والمواقف المؤثرة والفاعلة في ارساء مفاهيم الديمقراطية من خلال الدعوة الى انتخابات حرة مباشرة، وكتابة دستور يكفل حقوق الجميع بلا إستثناء، والى تداولية السلطة، والاستقلال والمحافظة على السيادة، كما عملت على حفظ امن الدولة القومي في حربها العالمية ضد الارهاب من خلال فتوى الجهاد الكفائي التي اصدرتها ولبّاها آلاف المتطوعين والتي حفظت وحدة وسيادة العراق واعادت هيبة الدولة ومكانتها في المجتمع الدولي بعد ما حققه الشعب العراقي من انتصارات على تنظيم داعش الارهابي، وكان لتوجهات المرجعية الدينية العليا الخارجية ورؤيتها في رسم سياسة خارجية متوازنة بعيدة عن التجاذبات الإقليمية والدولية وقائمة على أساس المصالح المتبادلة واحترام الآخر وعدم التدخل في الشؤون الداخلية،الأثر في تعزيز مكانة العراق في المجتمع الدولي وتوفير ادوات ومصادر شرعية يستند عليها صاحب القرار الخارجي .

وتمخضت الدراسة عن مجموعة من الاستنتاجات وكما مثبتة في نهاية الرسالة ولا بأس من الاشارة الى بعض منها :

1-أثبتت الدراسة انه لا يمكن فهم السياسة الخارجية بمعزل عن السياسة الداخلية؛ وذلك لأن الأولى ما هي إلا إمتداد وانعكاس للثانية، وإن المقومات الداخلية لاي دولة والمتمثلة بالسيادة والامن والاستقلال والاستقرار السياسي والوحدة الوطنية هي الأعمدة التي تبنى عليها سياسة خارجية ناجحة.

2-إن الفواعل غير الرسمية لها تأثير في صناعة القرار السياسي العراقي الداخلي والخارجي، وظهر تأثير هذه الفواعل في النظام السياسي الديمقراطي البرلماني بعد عام 2003م ، وعليه يمكن الجزم ان الدولة لم تعد وحدها القادرة على صناعة السياسة الخارجية، بل تشترك معها هياكل غير رسمية كالاحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الاعلام والرأي العام. ولعل فشل هذه الفواعل في خلق تأثير ايجابي في السياسة الخارجية العراقية بعد عام 2003 م، كان بسبب المحاصصة السياسية وتغليب المصالح الفئوية الحزبية على حساب المصالح الوطنية العليا للدولة، فضلاً عن الأجندات الخارجية.

3-أدت المرجعية الدينية العليا في العراق، الدور الاساس والحيوي في بناء الدولة العراقية الحديثة بعد عام 2003م، واختارت قيام دولة مدنية ديمقراطية من خلال المطالبة بسيادة العراق بموجب القانون الدولي والاصرار على اجراء انتخابات مباشرة،وكتابة دستور عراقي يضمن الحقوق والحريات لجميع المواطنين، بدلا من قيام دولة اسلامية كما هو الحال في الانموذج الايراني،

4-انطلقت المرجعية الدينية العليا في توجهاتها الداخلية والخارجية من موقع رعاية الأمة لا الحاكم،

5-مثلت المرجعية الدينية العليا خط صد دفاعي ضد التدخلات الدولية والاقليمية، ابتدأ بموقفها من الاحتلال الامريكي والاحتكام للقانون الدولي والتعامل بدبلوماسية مع الامم المتحدة كونها تمثل الشرعية الدولية، ومحاربة الارهاب ورفض التدخلات الخارجية بشؤون العراق. وهي بذلك تتبنى سياسة التوازن والوسطية.

6-عمدت المرجعية الدينية العليا الى توفير أرضية صلبة لصانع القرار السياسي الخارجي العراقي بعد احداث 2003م، ونجحت في بناء ركائز أساسية يمكن الإرتكاز عليها لصناعة سياسة خارجية فاعلة ومؤثرة في المستوى الإقليمي والدولي فيما لو تم توظيفها بالشكل الصحيح الذي يضع مصالح العراق العليا فوق أي مصالح فئوية شخصية أو اجندات خارجية.

7-لم تمتلك المرجعية الدينية العليا أدوات تنفيذية كونها فاعل غير رسمي مستقل ماليا واداريا، واكتفت بالمراقبة الشديدة والنصح والارشاد على طول مراحل العملية السياسية، ولكنها تمتلك خطابا مؤثرا في الرأي العام المحلي والدولي له حد الإلزام في بعض المواقف.

8-إن إستجابة صانع القرار السياسي العراقي لتوجيهات المرجعية الدينية العليا في الحكومات المتعاقبة بعد عام 2003م، كان نسبيا، وحسب ما تقتضيه مصالحهم، وهذا هو سبب عزوف المرجعية الدينية العليا عن لقاء أي شخصية سياسية قرابة العشر سنوات الماضية ولحد الآن، ومع ذلك فأنها لن تتوانى في قول الكلمة الفصل عندما تجد ضرورة لذلك، وعليه لا يمكن لأصحاب السلطة تغافل أو تجاهل رأي وتوجهات المرجعية الدينية العليا خصوصا في القضايا المصيرية.

كما يرى الباحث ومن خلال الدراسة جملة من التوصيات التي يمكن الإستفادة منها في صناعة السياسة الخارجية العراقية .وقد منحت درجة الماجستير للطالب بتقدير (جيد جدا عالي ) متمنين لجميع طلبتنا الموفقية والنجاح في حياتهم العلمية والعملية وذلك يوم الاحد الموافق 12/9/2021 على قاعة جهاد الحسني .

Comments are disabled.