ناقشت كلية العلوم السياسية في جامعة بغداد اطروحة الدكتوراه (لسياسة الخارجية الايرانية تجاه منطقة القرن الافريقي منذ عام 2005 ) للطالب (عباس سعد وحيد ) وتناولت الاطروحة تركيز الدراسة على منطقة القرن الإفريقي كإحدى اهم اقاليم القارة الافريقية, وجاءت هذه الاهمية من الموقع الجغرافي الذي تتمتع به منطقة القرن الإفريقي, اذ إن اطلالة المنطقة على المحيط الهندي ومضيق باب المندب والبحر الاحمر جعل منها محط انظار القوى الإقليمية والدولية, عبر سيطرتها وتحكمها بجزء كبير من التجارة الدولية العابرة من خلالها, كذلك تحظى المنطقة بأهمية اقتصادية من جانبين الاول هو امتلاكها لموارد طبيعية ومساحات زراعية و وفرة حيوانية, اما الثاني فأنها تعد سوقاً واسعة لتمرير البضائع وتصدير المنتوجات الصناعية الاجنبية, الا إن ما يميز منطقة القرن الإفريقي عن باقي المناطق في القارة الافريقية هو سيادة عدم الاستقرار على الصعد السياسية والاقتصادية والامنية والاجتماعية, وعزت الدراسة ظاهرة انعدام الاستقرار لثلاث مجاميع من الاسباب الاولى تمثلت بالصراعات الدينية والعرقية والقبلية والحدودية, اما الثانية فهو نشاط الجماعات الراديكالية المسلحة التي اسهمت بإشاعة ظاهرة الارهاب, وجعل منطقة القرن الإفريقي منطلقاً للجماعات الارهابية التي مارست انشطة ارهابية وتخريبية بكثير من دول المنطقة, اما المجموعة الثالثة من الاسباب فيمكن حصره بالوجود الاجنبي والذي عبرت عنه القواعد العسكرية الاجنبية للولايات المتحدة وفرنسا والصين واليابان واسرائيل وتركيا والسعودية والامارات, وبالتالي فأن الاسباب الواردة اسهمت كثيرا بزعزعة المنطقة وجعلت دولها تتصدر مؤشر الهشاشة, وتتذيل مؤشرات التعليم والتنمية والصحة.
فإزاء الاهمية الاستراتيجية التي تتمتع بها منطقة القرن الإفريقي سعت ايران لايجاد موطئ قدم لها بالمنطقة سعياً منها لتعظيم مكاسبها وترصين دعاماتها الاقتصادية و وجودها العسكري, لذا يرى الباحث إن هناك ثلاث دوافع تقف خلف صانع القرار الإيراني بالتوجه نحو القرن الإفريقي, تمثلت هذه الدوافع بالسياسية والامنية والاقتصادية, ولتحقيق ذلك وظفت إيران عدة ادوات لتنفيذ سياستها الخارجية توزعت بين الادوات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية, ويرجع تطور السياسة الايرانية بالمنطقة لعهد الشاه عبر اقامته لعلاقات مع اثيوبيا والسودان, ورغم فتور العلاقة في عهد السيد الخامنئي عندما كان رئيسا للجمهورية (1981-1988) الا انها عاودت نشاطها بعد انتهاء الحرب العراقية-الايرانية وتحديدا في عهد الرئيس هاشمي رفسنجاني (1988-1997) الذي اولى للمنطقة اهمية في سياسة ايران الخارجية, واستمرت العلاقات بذات الوتيرة في عهد الرئيس محمد خاتمي (1997-2005), وفي عهد الرئيس نجاد (2005-2013) شهدت السياسة الخارجية الايرانية تجاه منطقة القرن الإفريقي زخماً من الزيارات المتبادلة والاتفاقيات الثنائية بمختلف المجالات, خصوصا وان نجاد استحضر مفاهيم ومنطلقات الثورة الاسلامية القائمة على اساس نصرة المستضعفين ودعم حركات التحرر, ونتيجة للضغوط التي واجهتها ايران استخدم الرئيس نجاد استراتيجية الهجوم خير وسيلة للدفاع وذلك كمحاولة منها لنقل الصراع مع الولايات المتحدة واسرائيل لمناطق واقاليم اخرى, ورغم تطور السياسة الخارجية الإيرانية في عهد الرئيس نجاد, الا انها شهدت فتوراً في عهد الرئيس حسن روحاني (2013-لحد الان) ومن ثم انقطاعا مع السودان والصومال وجيبوتي, نتيجة اصطفاف تلك الدول لجانب السعودية في صراعها مع إيران في المنطقة, واستمر ذلك الانقطاع لحين هذه الفترة, وهذا ما اضعف الوجود الإيراني بمنطقة القرن الإفريقي.
ويرى الباحث إن هناك عدة محددات اثرت على الوجود الإيراني بالمنطقة, فالصراعات والازمات التي شهدتها المنطقة انسحبت على الوجود الإيراني, وركزت الدراسة على ثلاث اهم قضايا ارتبطت بوجود ايران في القرن الإفريقي, وهي الازمة في اليمن منذ عام 2011, والازمة في الصومال, وانفصال جنوب السودان, اما على صعيد التحديات الإقليمية والدولية فأن جميع القوى المتنافسة في القرن الإفريقي تؤثر على ايران, لذلك ارتأى الباحث دراسة التحدي الاسرائيلي كنموذج للتحديات الإقليمية, والولايات المتحدة الامريكية كنموذج للتحديات الدولية, واختتمت الدراسة بمشهدين موجزين لمستقبل السياسة الخارجية الايرانية بمنطقة القرن الإفريقي بين التراجع والتقدم, وصولا لجملة من الاستنتاجات لكامل الدراسة.وقد منحت درجة الدكتوراه للطالب بتقدير (امتياز) متمنين لجميع طلبتنا الموفقية والنجاح في حياتهم العلمية والعملية وذلك يوم الاثنين الموافق 17/02/2020 على قاعة الحرية .